
الأحد 22-9-2024 : تكبد المزارعون في قطاع غزة خسائر فادحة بفعل تجريف جيش الاحتلال الإسرائيلي لأراضيهم بآلياته الثقيلة وقصفها بطائراته الحربية خلال حربه المستمرة لما يقرب من عام، ما أدى إلى تدمير وتلف المحاصيل الزراعية، وتحديدًا أشجار الزيتون التي حُرم المزارعون والمواطنون على حد سواء من جني ثمارها للعام الثاني على التوالي، بسبب الأوضاع الأمنية المعقّدة في القطاع.
وتعتبر أشجار الزيتون من التراث الفلسطيني الذي يدل على تشبث وتمسك المواطنين بأرضهم، حيث تقدّر مساحة الأراضي المزروعة بالزيتون في غزة قبيل شنّ الاحتلال عدوانه في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، بنحو 40 ألف دونم وتضمّ أكثر من مليون شجرة زيتون، وكانت تنتج أكثر من 35 ألف طن سنويًا، ويُوجه نحو 30 ألف طن منها للعصر للحصول على الزيت، والبقية للتخليل في الأعوام السابقة، لكنّ في الربع الأخير من العام 2023م تعرضت معظمها إلى التدمير والتلف بسبب الحرب، وفقًا لوزارة الزارعة بغزة.
المزارع محمد الكفارنة وهو من سكان بيت حانون شمالي قطاع غزة، قال في حديثه لـ»الدستور»، إنّ «معظم المزارعين خسروا العام الماضي موسم الزيتون في موعد جني ثماره بسبب نشوب الحرب حينها»، مضيفًا أنّ «موسم الزيتون هذا العام صعب وشحيح، نظرًا لقلة أشجار الزيتون وتلف تربة الأراضي الزراعية المتبقيّة بفعل التجريف والقصف، إلى جانب أنّ الأشجار السليمة والتي نجت من جيش الاحتلال قليلة وإنتاجها ضعيف لأنّ تربتها تأثرت بغبار الصواريخ والقنابل، ما أدى إلى تحوّل بعضها إلى أراضي قاحلة».
وأشار الكفارنة، إلى أنّه «منذ الشهر الأول للحرب لم أتمكن من الوصول إلى أرضي، والعناية بأشجار الزيتون وغيرها من الشتلات الصغيرة، لكن بعد انسحاب الاحتلال من المنطقة المحيطة بأرضي عدت إليها وبالكاد عرفتها ووجدتها رمال قاحلة وفيها سواتر ترابية، بالإضافة إلى تدمير المعدات الزراعية، وشبكات الري نتيجة التجريف»، لافتًا إلى أنّه كل عدوان يتعرض لخسائر بسبب تركيز الاحتلال على قصف الأراضي، إلا أنّ الخسارة الحالية تعتبر الأضخم بسبب خلع عشرات الأشجار التي كانت مصدر رزقي الوحيد في ظل الأوضاع المعيشية الصعبة التي يعيشها سكان القطاع».
وأوضح المزارع، أنّه حاول «تضمين» أرضًا زراعية أخرى بها أشجار زيتون صالحة للإنتاج، لكنّه وجد أسعار تفوق قدرته المالية بفعل طول أمد الحرب، إذّ يطلب أصحاب الأرض أكثر من (5 دنانير أردنية) ثمنًا لكل رطل زيتون على الشجرة، مبينًا أنّ هذا السعر سيضاف عليه أجور أخرى مثل عمّال ونقل للمعصرة، بالإضافة إلى ارتفاع سعر عصر الزيتون بسبب ارتفاع سعر السولار إن وجد، ما جعله يخسر موسم الزيتون للمرة الثانية على التوالي.
أمّا المزارع محمود الزعانين، لم يختلف حاله عن سابقه، إذ خسر أكثر من 70 شجرة زيتون وتعرض لخسائر جمّة عقب تجريف الاحتلال لأرضه الواقعة شرق مدينة غزة خلال العمليات البرية للاحتلال، إلى جانب فقدان مصدر رزقه الوحيد بفعل تجريف الأشجار والمزروعات المختلفة في أرضه.
أكد الزعانين، في مقابلته مع «الدستور»، أنّ «أشجار الزيتون تحتاج إلى وقتٍ طويلٍ لتثمر ويصبح إنتاجها وفيرًا، وبعد خسارة هذه الأشجار خلال هذه الحرب، سنضطر إلى زراعة شتلات مجددًا والانتظار سنوات كثيرة حتى تثمر، وهذا يجعلني أخسر مصدر رزقي الوحيد على مدار أعوام مقبلة الذي اعتمد عليه لتأمين لقمة العيش لعائلتي، ويقدر بأكثر من 5 آلاف دينار أردني سنويًا»، مشيرًا إلى أنّ «بعض المواطنين في القطاع أجبروا بسبب الحرب وانقطاع غاز الطهي إلى قطع أشجار الزيتون لاستخدامها في عمليات الطبخ والتدفئة بسبب نفاذ الوقود».
ويصف الزعانين، إنتاج الموسم الحالي بالقليل ولا يكفي لسد احتياجات السكان الكبيرة، موضًحا أنّ «جني ثمار الزيتون هذا العام من المناطق الحدودية يعتبر طريقًا للموت، نظرًا لكثرة القصف والاستهداف وملاحقة طائرات «الكوادكابتر» التي لا تغادر المكان للعمّال والمواطنين الذين قد يذهبون لقطف الثمار في تلك المناطق، لأنّ الاحتلال يعتبرها مناطق عسكرية مغلقة ويمنع الوصول إليها».
وبخصوص أصناف الزيتون وأسعار الزيتفي غزة، أشار المزارع إلى أنّ الأصناف هي الشملالي والسري وk18، وغيرها، متوقعًا أنّ يصل سعر تنكة زيت الزيتونإلى (200 دينار أردني) على أقل تقدير، أمّا سعر الجالون الذي يعبئ فيه الزيت فقد ارتفاع من (7 شواكل) إلى (45 شيكلا)، نظرًا إلى أنّ غالبية معاصر الزيتون في القطاع قد دُمرت وأصيبت بأضرار كبيرة، إلى جانب ارتفاع أسعار الوقود الذي تعتمد عليه تلك المعاصر في عملها.
وحددت وزارة الزارعة بداية الموسم للعام الحالي في محافظات الضفة الغربية بتاريخ 6 أكتوبر/ تشرين الأول العام الجاري لأصحاب المعاصر، والعاشر من نفس الشهر للمزارعين، فيما لم يتم تحديد موعد للقطف في قطاع غزة بسبب أوضاع الحرب وصعوبتها.
بدوره، أكّد مدير عام مجلس الزيتون الفلسطيني فياض فياض، أنّه لا يمكن التوقع بكمية إنتاج الموسم الحالي في غزة نتيجة صعوبة التقدير بسبب الظروف الأمنية واستمرار الحرب، علمًا أنّ غزة تشتهر بخدمة الزيتون والاهتمام به بطريقة مثالية، مشيرًا إلى أنّ متوسط إنتاج القطاع من الزيتون (3000 طن).
وقال فياض لـ»الدستور»، إنّ «موسم الزيتون الماضي كان أقل من توقعاتنا، ففي الأسبوع الأول من شهر أكتوبر كان الإنتاج من الزيتون يقدر بـ(300 طن)، وبعدها اندلعت الحرب ولم يتمكن المزراعين من جني ثمار الأشجار المتبقية».
ولفت فياض، إلى أنّ أربعة معاصر ستعمل في القطاع خلال العام الحالي من أصل 40 معصرة، منها تقليدية حجرية، موضحًا أنّ قلة المعاصر ونقص الوقود وارتفاع تكلفة المواد الخام يؤدي إلى رفع الأسعار بشكل كبير.
وأوضح مدير عام مجلس الزيتون، أنّ هناك خططًا لإعادة زراعة الزيتون بالقطاع ما بعد الحرب، ودعم قطاع الزيتون وخاصة المنتجين أصحاب المشاتل التي دمرت وكذلك أصحاب المعاصر، مشيرًا إلى أنّ الكثير من المزارعين لم يتم تعويضهم منذ حرب عام 2014م.
وطبقًا للجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، فإن القطاع الزراعي يمثل أحد أهم مكونات الناتج المحلي الإجمالي في قطاع غزة، عبر مساهمته في توفير فرص العمل، وقد بلغت نسبة مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي نحو 11 % للعام 2022 وهو العام الذي قدرت فيه القيمة المضافة للنشاط الزراعي بنحو 343 مليون دولار.
وفي الإطار، أكّد المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، أنّ الاحتلال أخرج أكثر من 75 % من مساحة الأراضي الزراعية عن الخدمة في قطاع غزة، مبينًا أنّه منع إدخال المواد الغذائية والمساعدات الإنسانية في إطار تكريسه للمجاعة واستخدام التجويع كسلاح حرب، ضمن جريمة الإبادة الجماعية المستمرة.
وأوضح المرصد في بيانه، أنّ قوات الاحتلال عملت بشكل منهجي منذ بدء هجومها العسكري في أكتوبر الماضي على تدمير منهجي وواسع النطاق للأراضي الزراعية ومزارع الطيور والمواشي بنمط واضح ومتكرر؛ بهدف تجويع سكان القطاع وحرمانهم من السلة الغذائية من الخضار والفواكه واللحوم البيضاء والحمراء، وجعل أمر نجاتهم مرهونًا بالقرار «الإسرائيلي» بإدخال أو منع إدخال المساعدات الإنسانية.
وأشار المركز الحقوقي، إلى أنّ الاحتلال جرف ودمر جميع الأراضي الزراعية على امتداد السياج الأمني الفاصل شرقي القطاع وشماله بعمق يصل إلى قرابة 2 كيلو متر، وبذلك تكون أخرجت ما يقارب من 96 كيلو مترا مربع، في محاولة لضمها بالقوة بما يخالف قواعد القانون الدولي، يضاف إليها نحو 3 كيلو مترات مربعة، جراء شق طريق ومنطقة عازلة تفصل مدينة غزة عن وسطها من محور نتساريم، مبينًا أن هذه المساحة تمثل نحو 27.5 % من مساحة القطاع.
وتعتبر هذه الحرب هي الأشد فتكًا بالقطاع الزراعي، إذّ تكبّد خسائر فادحة نتيجة التجريف والقصف للأراضي الزراعية والتي تعّد ضرورية لإطعام سكان القطاع الذي يعانون من الجوع بسبب سياسات الاحتلال المتمثلة بمنع دخول المواد الغذائية للسكان، إلى جانب تدمير البنية التحتية الزراعية كالآبار وأنظمة الري، والمخازن؛ ما أدى إلى نقص كبير في تأمين الغذاء المحلي.
