إقتصاد وأعمال اخبار محلية الصورة الرئيسية

وزير المالية يلقي خطاب مشروع قانون الموازنة العامة بمجلس النواب

الاثنين: 9/1/2023 – ألقى وزير المالية الدكتور محمد العسعس خطاب مشروع قانون الموازنة العامة للسنة المالية 2023 خلال الجلسة التي عقدها المجلس اليوم الإثنين برئاسة رئيس المجلس أحمد الصفدي وحضور رئيس الوزراء الدكتور بشر الخصاونة وهيئة الوزارة.

وقال العسعس إن موازنة هذا العام تقدر بـ 11.431مليار دينار، موزعة بين الايرادات العامة بواقع 9.569 مليار دينار، منها ايرادات محلية بواقع 8.767 مليار دينار، ومنح خارجية 802 مليون دينار، وتقدر النفقات العامة بـ 9.839 مليار دينار نفقات جارية، و 1.591مليار دينار نفقات رأسمالية، فيما يقدر العجز المالي للموازنة بـ 1.862مليار دينار.

وفيما يلي نص خطاب الموازنة الذي ألقاه الوزير العسعس:

سعادة الرئيس،
حضرات النواب المحترمين،
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،

نقف اليوم كما العالم أجمع، على أعتاب مرحلة نشهد فيها عاماً يتعرض فيه الاقتصاد العالمي لأوضاع اقتصادية مضطربة، تتفاعل نتيجة ظروف دولية عاصفة ومفتوحة على الاحتمالات. والأردن الذي لم يكن بمنأى عن هذه التطورات، مرّ عبر تاريخه بظروف عصيبة وأزمات عديدة تمكن بفضل الله من تخطيها بثبات. ولإن تعرضت مسيرتنا لامتحان قاس وتحديات كبيرة كباقي دول العالم، إلا أننا أثبتنا جميعاً رغم الاختلاف الذي قد يظهر في توصيف المشكلات ومعالجتها، أن الأردن باقتدار وحكمة قيادته الهاشمية ووعي شعبه سيتجاوز هذه التحديات ويواصل مسيرة الإصلاح والإنجاز.

وإذ يقف العالم اليوم بعد الخروج من جائحة كورونا، واستمرار الحرب الروسية الأوكرانية والركود التضخمي أمام تحديات مصيرية. حيث كلما اتخذت الاقتصادات الكبرى سياسات لاحتواء هذه الأزمات، انعكست قراراتهم الداخلية كهزات تعصف باقتصادنا. وأمام هذا المشهد المعقد عالمياً، لا بد من قراءة تقوم على الصدق مع النفس والشفافية دون تنميق أو تهويل. لذلك، يجب علينا تقييم السياسات الاقتصادية السابقة التي وإن كانت تفي بحل الأزمات المرحلية آنذاك، إلا أنها قد لا تلبي متطلبات المرحلة الحالية لبناء اقتصاد منيع يقوم على رفع الإنتاجية وزيادة النمو الاقتصادي وتحسين المستوى المعيشي للمواطن الأردني.
إن حس المسؤولية يحتم علينا الابتعاد عن الحلول المؤقتة لتلطيف وتجميل الواقع والتي حتماً ستعود علينا في وقت وجيز على شكل مشكلات هيكلية أعمق وأكثر إيلاماً. فمنذ تكليف هذه الحكومة، عملت في ظل ميثاق معلن وضمني على تجنب الإسراف في الوعود وعدم رفع مستوى التوقعات دون وقائع. وبهدف تجسير فجوة الثقة بين الشعب والحكومات لم نطلق وعوداً جزافاً. وفي المقابل، انتهجت هذه الحكومة الابتعاد عن سياسة ترحيل وتجنب مواجهة المشكلات ولم تتأخر عن الحلول الجذرية الحقيقية. ومن هذا المنطلق قامت الحكومة بتشخيص عوامل الضعف التي أوهنت القدرات التنافسية للقطاعات الاقتصادية، وقامت بتنفيذ إصلاحات مدروسة لرفع تنافسية الاقتصاد الأردني والحفاظ على استقراره في وجه العواصف العالمية التي أطاحت باقتصادات دول أخرى.

واذ تدرك الحكومة بأن الألم الاقتصادي والصعوبات المالية التي يعيشها أهلنا حقيقية، نراها أرقاماً، ونراها في حياة الناس، نراها في معاناتهم التي نلحظها بقلب يخفق بالألم، وعقل يريد البحث عن الحلول. وإذ تدرك الحكومة أن الشعور بالإحباط الذي يهدد شبابنا الباحث عن العمل حقيقي، وهو في واجهة سلم أولوياتنا حين نصنع الموازنات ونرسم الخطط. كما تدرك الحكومة أن انخفاض القوة الشرائية في ظل ارتفاع تكاليف المعيشة، وتشوه العبء الضريبي بارتفاعه على الطبقة الوسطى بدلاً ممن هم أكثر دخلاً، واعتماده على الضرائب الاستهلاكية غير المباشرة على حساب ضرائب الدخل العادلة التي تميز بين الغني والفقير، والتراجع في مستوى الخدمات والبنية التحتية بعد سنوات من تخفيض الإنفاق الرأسمالي، ومخاطر استمرار ارتفاع العجز في الموازنة وتراكم الدين العام تحديات هيكلية أضعفت الاقتصاد وأضرت بالمستوى المعيشي للمواطنين. تؤمن الحكومة إيماناً تاماً بأن تحقيق الأهداف المشروعة للمواطنين يتطلب إعداد الاستجابة التي توازن بين متطلبات استقرار الاقتصاد وطموحات المواطنين، ضمن سياق يتسم بالواقعية بعيداً عن الوعود المبالغ فيها غير القابلة للتحقيق. كما تدرك الحكومة أن السياسات والمبادرات تحتاج إلى وقت لتظهر نتائجها على صورة تحسين الوضع الاقتصادي والمعيشي للمواطن، لتؤكد على أنها ستكون منفتحة على الآراء والأفكار مع شركائها في هذا الوطن العزيز.
سعادة الرئيس ،
حضرات النواب المحترمين،

من باب المكاشفة والمسؤولية، نحن نقف بين ضاغطين كبيرين، ضاغط يتعلق بأزمة المواطن المعيشية، وضاغط آخر يتعلق بمالية الدولة وأولوية الحفاظ على استقرارها. وإن الأيادي التي عملت على وضع خطة الدولة المالية لهذا العام كانت تدرك ذلك. وكانت تحاول جاهدة أن تقارب ما بين التخفيف عن الناس من جهة، والحفاظ على استقرار المالية العامة، من جهة أخرى. ونعلم علم اليقين أن لا بديل عن الاستمرار بعملية الإصلاح المالي والاقتصادي والإداري دون تأخير أو ترحيل، عبر اتخاذ قرارات تسكينية من شأنها أن تستنزف إمكاناتنا ومواردنا بصورة غير مستدامة، لأننا لا نقبل بأن نسمح لكلفة أي تأخير بالإصلاح أن تتراكم على كاهل الأردنيين مستقبلاً في شكل فقدان الاستقرار المالي والاقتصادي. ونحن بفضل الله نتمتع باستقرار اقتصادي تشهد له المؤسسات الدولية.
لذلك فإن المصلحة العامة تقتضي العمل على تنمية مواردنا المحدودة مع الاستغلال الحصيف لها من أجل مواجهة مشكلاتنا الجوهرية مواجهة حقيقية تفضي بنا إلى الانتصار عليها وتحويلها إلى جزء من الماضي. ومع إدراك الحكومة أن المواطن يواجه واقعاً معيشياً مؤلماً إلا أن أي إجراءات تحيد بالاقتصاد عن الاستقرار المالي والنقدي ستؤدي إلى مضاعفة هذه الآلام تحديداً على أفراد الطبقة الوسطى ومحدودي الدخل.

هذه مسؤولية الحكومة الأخلاقية التي ترقى على كل اعتبار، فمعدلات الفقر والبطالة لن تنخفض إلى المستوى المقبول من تلقاء نفسها، بل عبر رفع تنافسية الاقتصاد لجذب الاستثمار المحلي والأجنبي، وهو أداتنا التي نعمل من خلالها على خلق الوظائف لشبابنا الباحث عن العمل. متطلعين إلى أن يلمس المواطن ثمار هذه الإصلاحات في قادم السنوات.

سعادة الرئيس،
حضرات النواب المحترمين،

ما زال السياق الدولي يتسم بالتقلب وعدم اليقين. فبعد أن ظهرت دلائل انفراج أزمة الجائحة، وبدأت تباشير التعافي تلوح في أفق الاقتصاد العالمي، اتخذ صانعو السياسات في الدول المؤثرة على الاقتصاد العالمي إجراءات كبيرة لكبح جماح التضخم الذي وصل في تلك الدول لمعدلات غير مسبوقة، بسبب تأخرها في عكس السياسات التوسعية التي انتهجتها إبان الجائحة بشكل تدريجي وآمن، ما أثر بشكل سلبي وكبير على الدول النامية ومنها الأردن، الأمر الذي دفع المؤسسات الدولية مثل صندوق النقد الدولي لتخفيض توقعاتها حول أداء الاقتصاد العالمي، ليبلغ 3.2 بالمئة في عام 2022 مقابل 6.0 بالمئة في عام 2021، وإلى توقع ارتفاع معدل التضخم إلى 8.0 بالمئة في عام 2022 مقارنة بنحو 4.7 بالمئة في عام 2021. وقد توقعت رئيسة صندوق النقد الدولي مؤخراً أن يكون عام 2023 عاماً اقتصادياً صعباً يفوق في صعوبته العام الماضي، جراء دخول المراكز الثلاثة الرئيسة للنشاط الاقتصادي العالمي الصين والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية في تباطؤ اقتصادي في آن واحد .

ورغم تأثر الأردن بتطورات الأحداث الجسام عالمياً، إلا أنه قد سارع في الإصلاحات السياسية والاقتصادية والإدارية بدلاً من إبطائها. واستطاع أن يستوعب تلك الأحداث وأن يتجاوز صدماتها، في ضوء متانة أساسيات الاقتصاد، وحصافة السياسات المالية والنقدية، والتي كانت فاعلة في الحفاظ على تماسك الاقتصاد الوطني.

ورغم كل التحديات آنفة الذكر، نقف اليوم على جملة من المؤشرات التي تؤكد على أن اقتصادنا يخطو بثقة على مسار التعافي التدريجي، حيث من المتوقع أن يحقق الاقتصاد الوطني نمواً بنسبة 2.7 بالمئة لعامي 2022 و 2023 مقابل 2.4 بالمئة لعام 2021، حيث يعتبر الأردن من الدول القليلة التي توقعت المؤسسات الدولية أن يحافظ على تحسن أدائه الاقتصادي.

وقد جاء النمو الاستثنائي للصادرات الوطنية المحرك الحقيقي للنمو الاقتصادي بنحو 41 بالمئة خلال العشرة أشهر الأولى لعام 2022 مدفوعاً بشكل أساسي بارتفاع أسعار الفوسفات والبوتاس. وحتى وإذا ما تم استثناء صادرات الفوسفات والبوتاس، فإن معدل نمو الصادرات الوطنية سيبلغ نحو 26 بالمئة، وهذا بحد ذاته يعتبر نجاحاً غير مسبوق للقطاعات الأخرى. وفي هذا السياق لا بد من الإشارة إلى النمو القوي لقطاع السياحة وعلى نحو فاق ما كان متوقعاً. وعلى صعيد آخر، وحتى إذا ما تم الأخذ بالاعتبار حجم الاستثمارات التي خرجت من الأردن، فإن حجم الاستثمارات التي تدفقت إلى الأردن تفوق الاستثمارات التي خرجت منه، بحيث ارتفع صافي تدفق الاستثمار الأجنبي المباشر خلال الثلاثة أرباع الأولى من عام 2022 بنسبة 94% مقارنة مع الفترة المماثلة من عام 2021 ليبلغ نحو 629 مليون دينار، وذلك بالرغم من حالة عدم استقرار الاقتصاد إقليميا وعالميا. ويؤكد ذلك على تنافسية الاقتصاد الأردني وجاذبيته للاستثمار وكانعكاس مباشر لاستقراره المالي والنقدي. كما بلغت الاحتياطيات الأجنبية لدى البنك المركزي 17300 مليون دولار في نهاية عام 2022. وهذه الاحتياطيات مريحة وتعكس قوة الدينار الأردني وتغطي 7.5 شهرا من مستوردات المملكة من السلع والخدمات.

وتجدر الإشارة إلى أنه رغم الضغوط التضخمية العالمية التي تعرض لها اقتصادنا في عام 2022 إلا أن انعاكساتها على اقتصادنا كانت أقل بكثير من معظم دول العالم. فقد كشفت تقديرات صندوق النقد الدولي أن معدل التضخم في اقتصادات تونس ومصر ولبنان وتركيا والولايات المتحدة الامريكية والمملكة المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي ستتجاوز نسبة 8 بالمائة في عام 2022، في حين أن معدل التضخم في الأردن بلغ 4.2 بالمائة في عام 2022، ويتوقع أن يبلغ 3.8 بالمائة في عام 2023، وهذا يعتبر من أقل معدلات التضخم عالمياً، مما يعكس نجاح السياسات والإجراءات الحكومية في كبح جماح التضخم الذي أولته الحكومة جانباً واسعاً من اهتمامها لأنه العامل الاقتصادي الأكثر تماساً مع حياة المواطن والأوسع تأثيراً على معظم فئات المواطنين، إذ كانوا سيلمسونه في ارتفاع أكبر بكثير في أسعار السلع والخدمات الأساسية وكلفة المعيشة وتراجع حاد لا سمح الله للقوة الشرائية، لولا نجاح الإجراءات الحكومية في السيطرة على التضخم.

وعلى جانب آخر، شهد معدل البطالة تراجعاً بنحو 1.5 نقطة مئوية خلال الثلاثة أرباع الأولى من عام 2022 مقارنة بنفس الفترة لعام 2021 ليصل إلى 22.8 بالمائة ، ورغم ذلك فما زال معدل البطالة مرتفعاً ويشكل الهم الوطني الأول وما زال عند مستوى مقلق.
يتبع.. يتبع
–(بترا)