منوعات

الأفكار والمشاعر والأجواء المحيطة “معدية” أيضا.. مختصون يفسرون

الخميس: 5/1/2023 – قد يبدو الأمر غريبا عند التفكير بشأن إمكانية انتقال الحالة النفسية عن طريق العدوى، فمن المعروف أن عددا كبيرا من الأمراض هي التي يمكن أن تنتقل من شخص لآخر عن طريق المخالطة، ولعل أبرزها وأكثرها شيوعا نزلات البرد والانفلونزا، ولكن هل فكرنا يوما في احتمالية الإصابة بالاضطرابات النفسية بالطريقة ذاتها.
وفقا للدراسة التي أجراها باحثون بجامعة وارويك البريطانية، فقد بينت أن المزاج العام لمجوعة يمكن أن يكون معديا اجتماعيا، ما يستوجب على الشخص إحاطة نفسه بشبكة من الأصدقاء السعداء.
يعتقد علي أحمد الطالب الجامعي، أن الأشخاص المحيطين به لهم أثر كبير على حالته النفسية “كلمة أو موقف يقلب مزاجي ليوم كامل.. ومن الممكن أن أكون في قمة السعادة ولكن تنتقل لي العدوى حينما أتواجد مع أشخاص سلبيين وأشعر بإحباط مفرط”.
ويؤكد علي أن ما يبث في وسائل الإعلام من أخبار وأحداث وجرائم وحروب له علاقة مباشرة في تغيير نفسيته في لحظة، وأن البيئة المحيطة من زملاء دراسة وعمل لها أكبر الأثر عليه، فما إن ينتقل الى مكان يحبه يحمل ذكريات سعيدة تتغير حالته النفسية والعكس صحيح.
قصة علي طبيعية، فوفقا لما يقوله المؤرخ وعالم الاجتماع الدكتور غوستاف لوبون، فإن للأفكار والمشاعر والتأثيرات والمعتقدات عدوى في الجماعات تماثل في قوتها عدوى الميكروبات، وذلك أمر طبيعي متى اجتمعت.
في حين أن سعاد، تؤكد أنها إنسانة عاطفية سريعة التأثر بآراء الآخرين والمواقف التي تحدث أمامها، فعندما تشاهد فيديو للقاء الأحبة بعد سنوات غياب أو حالة وفاة، تتعاطف لاإراديا وينتابها الخوف من شعور الفقد، مع أنه لا تربطها به أي صلة، ويتبدل مزاجها بشكل سلبي قد يمتد لفترة زمنية طويلة.
وتضيف أن التأثير لا يقتصر على الأحداث الاجتماعية فحسب، وإنما يمتد للأحداث السياسية والرياضية، فأثناء متابعتها لكأس العالم تأثرت لولعها بكرة القدم، ففوز فريقها المفضل ووصول فريق عربي للنهائيات وحالة الفرح العربية ومشاهدة أمهات اللاعبين وفخرهن بفوز أبنائهن انتقلت إليها مشاعر الفرح والإعجاب وأن شعور الشخص قد ينتقل الى مجموعة أكبر فيتأثرون به.
اختصاصي علم النفس بجامعة الشرق الأوسط الدكتور سليم وجوخ، يعرف العدوى النفسية بأنها من أنواع التفاعل اللاشعوري عند الشخص في التعرض لجميع الأفكار والمشاعر التي يكتسبها ممن حوله وتؤثر عليه بشكل سلبي أو إيجابي بحسب حالته النفسية.
ويضيف وجوخ، أن الآثار للأحداث السلبية التي تقع بأي مجتمع أو يختبرها أي شخص سواء فقدان عزيز أو وفاة أشخاص في الدول الشقيقة أو حروب في أماكن متفرقة أو غلاء الأسعار أو المشاهدات التي نراها في الطرقات، تتسبب بمزاج سلبي لدى الإنسان وسوداوية في التفكير وتدفع نحو الاكتئاب، وذلك ما يبرر وجود القلق والاكتئاب واحتمالية اكتساب تلك المشاعر وانتقالها من شخص لآخر.
ومن الطبيعي أن يجد الإنسان نفسه متوترا بعد نقاش مع أشخاص سلبيين حينما يكون جل كلامهم عن المشاكل والصراعات، فعلى كل منا أن يختار دائرة الأشخاص الذين يتم التعامل معهم بشكل دائم لأن الحالة النفسية تنتقل بالعدوى.
ويشير وجوخ الى أن العدوى العاطفية ينتج عنها معاناة الشخص من الأعراض المصاحبة للاضطراب النفسي وليس للمرض نفسه، وعليه يمكن التغلب عليها بالإيمان وإلهاء الذات وشغل أوقات الفراغ.
اختصاصية علم الاجتماع الدكتورة هيا المصالحة، تؤكد أن العدوى النفسية ظاهرة اهتم بها علماء النفس والاجتماع بتبيان كيفية تأثيرها على المجتمعات والأفراد، وهي من الظواهر التي تحصل بوعي الأفراد (أحيانا)، وفي كثير من الأحيان من دون وعي تؤثر على المحيطين.
وتشير المصالحة الى أن ما يبث في وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي أصبح يفوق أثره السلبي الأثر الإيجابي، خصوصا في الوقت الحالي، لما يبث من أخبار سيئة من حروب وقتل وعمليات النصب والاحتيال التي يتعرض لها صغار السن والبالغون.
وتوضح المصالحة، أن العدوى النفسية أمر ليس سلبيا بدرجة كبيرة إن تم نشر سلوكيات صحية وتصرفات حسنة وأفكار إيجابية واستخدامها بطريقة إنسانية صحيحة، فمعظم الناس لا يختارون ما يرونه صحيحا بالضرورة، بل هم واقعون تحت العدوى النفسية.
وبحسب الدكتور في الإعلام محمود الرجبي، فإن تأثير الإعلام كبير، فكان قديما ينصح بعدم مشاهدة الأخبار للأشخاص الأكثر حساسية وتأثرا بالأحداث المحيطة لعدم الإصابة بالاكتئاب بسبب ما يعرض من مشاهد الحروب والقتل، ولكن منصات التواصل الاجتماعي واعتماد الناس عليها كمصدر أخبار ومعلومات ووسيلة للترفيه أصبح تأثيرها بالعدوى النفسية سلبا.
ويمكن للمتلقي أن يحمي نفسه عندما يقنع ذاته أن كل ما يتم بثه ونشره على المنصات الاجتماعية ليس حقيقيا دائما وأن كثيرا من صناع المحتوى يطمحون الى جمع الإعجابات والمشاهدات من خلال بث الكذب، وقد يصبح الأمر مرهقا ومثيرا للقلق بما يرونه من صراعات حول العالم، مما يثير مشاعر الغضب والتوتر والإحباط والحزن، لذلك من المهم جدا حماية الصحة النفسية بالابتعاد عن الأخبار السيئة لفترة وجيزة والبعد عن منصات التواصل الاجتماعي.
في العام 2014، أجرى الباحث آدم كرامر، الى جانب باحثين آخرين، بحثا موسعا شمل عددا كبيرا من المتصفحين في موقع “فيسبوك” الذي فحص تأثيره سلبا أو إيجابا عبر مشاركات متصفحين آخرين في صفحتهم الرئيسية في الموقع.
وادعى الباحثون أن الذي يقرأ المشاركات الإيجابية تكون مشاركاته إيجابية والعكس صحيح، وأثبت البحث أن عدوى المشاعر موجودة أيضا في شبكات التواصل الاجتماعي.