
14-تشرين الاول:
بقلم:د. انس عضيبات
تعد إدارة المخاطر من أهم الركائز التي تقوم عليها الأنظمة الأمنية المعاصرة، خاصة في قطاع الشرطة، حيث تساهم هذه الإدارة في تحقيق بيئة عمل آمنة، كما تسهم بشكل مباشر في استقرار المجتمع وأمنه المستدام، حيث يتطلب العمل الشرطي القدرة على التنبؤ بالمخاطر المختلفة وإعداد استراتيجيات فعالة للتعامل معها، حيث إن هذا التوجه لا يقتصر على الوقاية من الجريمة فقط، بل يتجاوزها إلى بناء قدرات مؤسسية تضمن استدامة الأمن بشكلٍ مستمر.
تواجه الأجهزة الأمنية تحديات متعددة، أبرزها تزايد حجم المخاطر في العصر الحديث، حيث أصبح الجريمة متنوعة ومعقدة، حيث تشمل هذه المخاطر التهديدات الأمنية التقليدية مثل الجرائم العنيفة والمخدرات، إضافة إلى تهديدات أكثر تطوراً مثل الهجمات السيبرانية والإرهاب، وهنا يأتي دور إدارة المخاطر الشرطية التي تقوم على تقييم وتحليل تلك المخاطر ثم وضع الخطط المناسبة للتعامل معها بشكل استباقي، مما يضمن تجنبها أو التقليل من آثارها.
ومن خلال ممارسات إدارة المخاطر، يمكن للأجهزة الأمنية تعزيز مستويات التعاون بين مختلف الوحدات والإدارات، مما يخلق شبكة من التنسيق الفعال، فعلى سبيل المثال، يمكن للشرطة التنسيق مع الأجهزة الاستخباراتية والهيئات القضائية والصحية لمعالجة قضايا مثل مكافحة الإرهاب أو التعامل مع الأزمات الصحية الطارئة، مثل انتشار الأوبئة، وهذا التعاون المتكامل يعزز من قدرة المؤسسات الأمنية على التفاعل السريع والفعال مع أي تهديد قد يطرأ.
لا تقتصر إدارة المخاطر في العمل الشرطي على البُعد الاستراتيجي فحسب، بل تتجسد أيضاً في البُعد البشري، حيث يتطلب الأمر تأهيل وتدريب الكوادر الأمنية لتكون قادرة على التعرف على المخاطر وتحديد أولويات التعامل معها، كما تشمل هذه المهارات القدرة على اتخاذ قرارات سريعة وصحيحة في المواقف الطارئة، بالإضافة إلى القدرة على استخدام التقنيات الحديثة مثل الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات في تحديد الأنماط الإجرامية والتنبؤ بالجرائم قبل وقوعها.
ومن أجل تحقيق الأمن المستدام، يجب أن تدمج إدارة المخاطر في سياسة عامة تشمل جميع جوانب الحياة اليومية، فعلى سبيل المثال، تعزيز الثقافة الأمنية في المجتمع يساهم في تقليل التهديدات التي قد تواجهها الشرطة، وعندما يكون المواطن جزءاً من عملية الأمن، يكون أكثر استعداداً للتعاون مع الأجهزة الأمنية، ما يسهم في سرعة الاستجابة للأحداث ويقلل من احتمالية حدوث الجرائم.
ختاماً، إن إدارة المخاطر في العمل الشرطي هي عامل أساسي في تحقيق الأمن المستدام، ومن خلال التخطيط المدروس والتعاون المستمر مع مختلف الأطراف المعنية، يمكن للأجهزة الأمنية أن تضمن استقرار المجتمع وحمايته من المخاطر المتجددة، وبذلك تظل الأجيال القادمة في بيئة آمنة ومستقرة، مما يعكس دور إدارة المخاطر في بناء أساس قوي لأمن مستدام.
