

7-تشرين الاول:
يقع كتاب كيف يصلون إليك؟! للإعلامية والباحثة الأكاديمية سونيا الزغول في خمسة فصول محورية، تتشابك مع مقدمة وتمهيد وخاتمة في بناء معرفي متماسك يقدم أول نموذج عربي بنائي لمهارات التفكير المضاد للتطرف ابتكرته الباحثة بعد الدراسة التي يقوم عليها الكتاب والتي جمعت بين نتائج الاستبانة الميدانية للطلاب والعاملين في الإعلام لاستخراج فجوة المهارات اضافة الى دراسة لتحليل مضامين المناهج المدرسية الأردنية للعام الدراسي 2024/2025 ، وأظهرت النتائج وجود فجوة بين ما يدرس وبين ما يحتاجه الأفراد لمواجهة خطاب الكراهية والتضليل الرقمي والتجنيد والاستقطاب من جماعات لا يهمها سوى مصالحها على حساب الوطن، ويقوم النموذج المبتكر على معالجة الفجوة في تنمية مهارات التفكير المضاد للتطرف العنيف والإرهاب في الفضاء الرقمي لدعم الاستراتيجية الوطنية الاردنية لمكافحة الإرهاب والتطرف العنيف 2014 والبناء على الجهود التي بذلها الأردن لسنوات في هذا الحقل المعرفي، حيث لم تعد هذه الفجوة في مهارات الأفراد تحتمل التأجيل وجاء هذا الكتاب ليقترح سبيلا عمليا لردم هذه الفجوة، ومن الصفحات الأولى يشعر القارئ أنه أمام مشروع وطني وفكري يضع بين أيدينا أدوات عملية قابلة للتطبيق في التعليم والمجتمع وينفتح على الوزارات والمؤسسات التربوية باعتبارها الشريك الرئيس في مواجهة التطرف العنيف.
الفصل الأول: الأمن المعرفي والإدراكي والفكري – العقل ساحة المعركة
يؤسس هذا الفصل للمنظور العام الذي يقوم عليه الكتاب: بأن الصراع مع التطرف لم يعد سلاحا وجنديا فقط وأنه في جوهره معركة وعي، وتتناول الزغول ثلاثة محاور مركزية في الفصل الأول: معركة الوعي والتأثير حيث تشرح كيف تتسلل الأفكار المتطرفة ثم تقوم بتفكيك المصطلحات العربية والغربية بما يحفظ للباحث العربي لغته وهويته المفاهيمية بعيدا عن النقل الحرفي، كما تقدم شرحا مفصلا للأمن الفكري في هندسة الأمن القومي وتوضح أن حماية معرفة الأفراد وإدراكهم من خلال (الأمن الفكري والمعرفي الإدراكي) يمثل خط الدفاع الأول، وهنا نجد رابطا مباشرا بين النظرية والواقع الأردني والعربي عموما، حيث الحاجة ماسة إلى إدماج الحماية الفكرية في السياسات العامة بشكل تطبيقي عملي وعدم الاكتفاء بالمعرفة النظرية.
الفصل الثاني: التطرف من الفكر إلى الفعل
ينقلنا هذا الفصل إلى تشريح الظاهرة حيث تبدأ الزغول بالتمييز بين التطرف والعنف والإرهاب، لتؤكد أن الخلط بين هذه المفاهيم أفقدنا إمكانية الاستفاد منها جميعا وعرضت عددا من النماذج العلمية لكيفية انتقال الفرد من التطرف الى الفعل العنيف ثم تحوله الى ارتكاب فعل إرهابي وتوضح الخط الفاصل بين كل خطوة واخرى، ثم تقدم معالجة سوسيولوجية تحت عنوان دوافع وأفكار التطرف والتي تعكس كيف تجتمع العوامل الاقتصادية والسياسية والنفسية لتدفع الفرد نحو الراديكالية (التشدد)، ويأتي الجزء الثالث من الفصل الثاني ليتناول العوامل المشتركة لدى المتطرفين وهو من أعمق أجزاء الكتاب حيث يظهر كيف تستغل حاجات الأفراد كالهوية والانتماء والفقر وغيرها الكثير لتجنيدهم أو تحريكهم، ثم تكشف في محور أساليب التلاعب والاستقطاب الأدوات التي يستخدمها المتطرفون: من التضليل الرقمي إلى صناعة روايات كاذبة وغيرها الكثير من الأساليب، ويختتم الفصل الثاني بقسم ميداني مهم للاعلامية سونيا الزغول بعنوان: قصص حقيقية – إذا بدأ التطرف.. انتبه! حيث تروي الكاتبة مقابلات أجرتها مع منشقين من تنظيمات إرهابية لتضع أمام القارئ شهادات صادمة تعكس كيف تتحول الفكرة إلى سلوك ارهابي.
الفصل الثالث: شرح نموذج التعلم البنائي لمهارات التفكير المضاد للتطرف
يعتبر هذا الفصل قلب الكتاب وابتكاره العلمي الأبرز فتبدأ الزغول بـ تفكيك الاستراتيجيات الدولية لمكافحة التطرف العنيف مقسّمة مراحل تطور هذه الاستراتيجيات إلى ثلاثة: البدايات (2001–2011) حيث هيمنت المقاربة الأمنية ثم التوسع الدولي (2011–2015) مع دخول التعليم والمجتمع تدريجيا لدعم الجهود الدولية في مكافحة التطرف العنيف، ثم مرحلة (2015–2024) حيث أصبح التركيز منصبا في الغرب على الوقاية من التطرف العنيف والارهاب عبر التعليم، وتعرض مقارنة دقيقة بين النماذج الغربية لتؤكد أن الفجوة تكمن في غياب نموذج عربي أصيل يتلائم مع المراجع القيمية العربية من واقع مدارسنا وجامعاتنا، ثم يطرح النموذج المعرفي التفسيري التطبيقي للباحثة الزغول للمرة الأولى رؤية عربية تضع الإنسان العربي في المركز: تفكيره ووعيه وصلابته النفسية والاجتماعية، وعرضت الزغول عشرات التجارب الدولية لمكافحة التطرف من أوروبا إلى الولايات المتحدة الى سنغافورة الى بريطانيا وفنلندا وكندا وغيرها، وأكدت في الكتاب أنه ورغم ثراء هذه التجارب فإنها تختلف عن واقعنا حيث بنيت لتناسب مجتمعات تنفق المليارات سنويا على التعليم وهذه رفاهية لا نملكها وموازنات لا نتخيلها وليست بين أيدينا، لذا فان ما يقدمه الكتاب ليس استنساخا لنماذج غربية إنما ابتكارا عربيا أصيلا يتلائم مع موازناتنا العربية المخصصة للتعليم ويبني على ما تم إنجازه في الأردن لسنوات ويوازن بين قيم الانفتاح والحوار وبين ثوابت الهوية الوطنية، وهذه ميزة الكتاب الكبرى: أنه منبثق من بيئتنا العربية ويستجيب لتحدياتنا الواقعية وفي الوقت نفسه يستفيد من الخبرة الإنسانية المشتركة مع الدول الأخرى.
ثم تنتقل الزغول في الفصل الثالث إلى شرح مكونات النموذج البنائي: بدءا من تحكيمه علميا من خلال 12 محكما في تخصصات القانون والإعلام والدراسات الأمنية وعلم الجريمة والقانون وعلم النفس والتربية، ثم عرضه في شكل انفوجرافيك بصري، وصولا إلى شرح مكونات الانفوجرافيك بشكل تفصيلي، والذي يركز على دمج المهارات العقلية والرقمية والسلوكية في بنية واحدة متكاملة مستندا إلى نظريتين: الأولى نظرية فرج الكامل بعنوان “المعرفة والتغير الاجتماعي” و “نظرية التعلم البنائي” (Constructivist Learning Theory) التي تعطى للمتعلم دورا نشطا في بناء معارفه.
وفي القسم الثالث من الفصل الثالث تستعرض الكاتبة نتائج دراستها الميدانية المتمثلة في نتائج استبيان أجري على 450 متدربا من طلاب كليات الإعلام والإعلاميين الذين طبقوا مهارات التفكير المضاد للتطرف وظهرت لديهم في الاستبيان القبلية للدورات فجوة المهارات، إضافة الى استعراض هذا الفصل لنتائج بطاقة تحليل المضمون التي أجرتها الزغول حيث قامت بحصر شامل لجميع كتب المناهج المدرسية الأردنية للعام الدراسي 2024/2025 وقد كشفت نتائج بطاقة تحليل المضمون الوصفية عن فجوة واضحة بامتلاك الطلاب وعيا نظريا محدودا بمهارات التفكير المضاد للتطرف وافتقارهم للتطبيق العملي وهو ما دفع الزغول إلى صياغة النموذج البنائي كجسر لردم الفجوة وايصال المهارات من خلال الأنشطة اللاصفية.
الفصل الرابع: واجه التطرف بنفسك – المهارات ليست حكرا على الإعلاميين
في هذا الفصل يدخل الكتاب إلى التطبيق العملي المباشر حيث تقسم الزغول المهارات إلى ثلاثة محاور:
1- المهارات العقلية المعرفية وتشمل:
التفكير النقدي: باعتباره ضرورة محلة في البيئة الرقمية لكونه المؤسس لبقية المهارات.
التحقق من المعلومات: عبر استراتيجيات مثل التثليث (Triangulation)، نموذج CRAAP، والأدوات الرقمية للتحقق من الصور والفيديوهات.
تحليل الخطاب: لكشف التلاعب في اللغة والخطاب المتطرف.
تقديم روايات مضادة: لمواجهة السرديات التي يعتمد عليها المتطرفون.
2- مهارات الوعي الرقمي وتشمل:
مواجهة التضليل والأخبار الكاذبة والتعامل مع الخوارزميات التي تصنع (فقاعات الترشيح).
التحقق من صحة المحتوى الرقمي
حماية الذات والخصوصية
إدارة السمعة الرقمية
3- المهارات الاجتماعية والسلوكية وتشمل:
التأثير الإيجابي على الأقران
الإنصات الواعي
حل النزاعات سلميا
التعبير السلمي عن الرأي
التعاطف والتفاهم الاجتماعي
وبناء هوية إيجابية وانتماء صحي.
وهنا يتضح أن الكتاب يوجه أدوات عملية للطلاب والمعلمين والإعلاميين والراغبين في اكتساب الحصانة في الفضاء الرقمي لمواجهة الاستقطاب والتجنيد والتطرف والعنف عبر الإنترنت أو في الحياة اليومية.
الفصل الخامس: مقرر التفكير الناقد المضاد للتطرف – بين الحضور الغائب والضرورة الحتمية
تختتم الزغول الكتاب باقتراح مقرر دراسي لطلبة صفوف (الثامن والتاسع والعاشر): بإدماج مقرر مستقل اسمته “التفكير الناقد المضاد للتطرف” ليكون رفيقا للطلاب في المدارس والجامعات، وتستعرض الزغول الجهود السابقة التي تناولت التفكير الناقد في المناهج والواقع الجامعي حيث تغيب هذه المادة المستقلة رغم كونها المهارة المؤسسة لجميع المهارت الأخرى لمكافحة الاستقطاب والتجنيد والتطرف والعنف، ثم تعرض الزغول مبادرات جزئية مطبقة في بعض المدارس وتخلص في الفصل الخامس أن الحاجة لمقرر مستقل باتت حتمية خاصة على ضوء الفجوة التي كشفتها نتائج الدراسة الميدانية في الفصل الرابع، كما تربط مقترحها مباشرة باستراتيجية الأردن لمكافحة الإرهاب والتطرف (2014) لتؤكد أن جميع الوزراة المعنية شريك أساسي في تحويل المقترح إلى واقع.
أهمية الكتاب وتميزه
ما يميز هذا الكتاب أنه يقدم أول نموذج عربي أصيل لمهارات التفكير المضاد للتطرف بعيدا عن النقل من التجارب الغربية حرفيا، فهو يستفيد من الخبرة الدولية لكنه يعيد صياغتها لتنسجم مع السياق العربي: ثقافيا وسياسيا وتعليميا، كما يقدم الكتاب مشروعا وطنيا يمكن للوزارات والمؤسسات التربوية والإعلامية تبنيه ويمنح الأدوات العملية للمعلم والطالب والإعلامي وأفراد المجتمع، كما يعتبر هذا الكتاب دعوة لتغيير السياسات التعليمية في طريقة تناول المهارات وضرورة انتقالها من الجانب النظري الى الجانب العملي التطبيقي ولإطلاق ورش عمل ودورات تدريبية تستند إلى مهارات محددة وقابلة للتطبيق في الغرف الصفية ليكون كتاب كيف يصلون إليك؟! مرجعا لكل من يريد بناء وعي يحصنه من التضليل والتطرف في الفضاء الرقمي، لذلك فإننا نوصي بقراءة هذا الكتاب قراءة تشريعية مؤسساتية تمهيدا لتحويله إلى برنامج وطني تدريبي للمربين والإعلاميين والناشطين الاجتماعيين واعتماده كنواة لكتاب مدرسي حول مهارات التفكير المضاد للتطرف ودمج استراتيجيته في السياسات الوطنية للوقاية من التطرف العنيف.
خلفية عن الكاتبة:
تعد الإعلامية والكاتبة سونيا الزغول واحدة من أبرز الأصوات الإعلامية الأردنية في ميدان الأمن الفكري ومكافحة الإرهاب والتطرف العنيف إعلاميا باستخدام الروايات المضادة، وعلى مدى سنوات من العمل التلفزيوني والتفاعل العميق مع الشأن العام تبلورت شخصيتها المهنية كإعلامية تتقاطع فيها الجدية بالتحليل والرؤية الإنسانية بالبعد الاستراتيجي، وسبق لها إصدار مؤلفين مهمين في السياق العربي: كتاب “ما تحته خط – مقالات في الشؤون العربية والإقليمية” (2018) وكتاب ” الكماشة – الفيلم الأمريكي الإيراني” (2021) وقد شهد إشهار الكتابين السابقين حضورا رسميا لافتا لنخبة من المسؤولين والمفكرين.
وبفضل تخصصها الدقيق في الإعلام الرقمي “مكافحة الإرهاب الإلكتروني” وتفاعلها المهني والفكري المستمر مع تطورات البيئة الرقمية أصبحت الزغول من الأصوات الأردنية التي جمعت بين التمكن الإعلامي والفهم العميق لمفاهيم التطرف والعنف والتأثير والاستقطاب الرقمي، ويأتي كتابها “كيف يصلون إليك؟” تتويجا لمسار من الرصد والتحليل والعمل الميداني والمساهمة في بناء وعي مجتمعي تجاه مخاطر الإرهاب والتطرف العنيف ليشكل الكتاب وثيقة فكرية ومجتمعية جديرة بأن تعتمد بالشراكة مع الوزارات المعنية لدعم الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الإرهاب والتطرف العنيف 2014.
يذكر أن الزغول عملت في عدد من القنوات الرائدة مثل سكاي نيوز عربية وتلفزيون الآن والشرقية وأورينت، ولامس حضورها أكثر من 14 عاما قامت خلالها بتغطية ملفات إنسانية واجتماعية وأمنية شائكة، وحازت على جوائز من أبرزها جائزة التميز الذهبية من مهرجان عيون للإبداع العربي لتغطيتها جهود مكافحة مكافحة الإرهاب في العراق وجائزة درع التميز الصحفي تقديرا لتغطيتها جهود مكافحة مكافحة الإرهاب في اليمن ودرع التميز عن عملها سفيرة إنسانية لتقديم الأطراف الصناعية لمرضى البتر في مناطق النزاع والحروب مع منظمة IRVD.
