مقالات

“الذكاء الاصطناعي وصناعة الصور… بين الإبداع والمخاطر”

28-أيلول 

 محمد المعايطة

لم يعد الذكاء الاصطناعي محصورًا في مجالات البرمجة أو تحليل البيانات، بل تجاوزها إلى فضاءات الإبداع البصري عبر ما يُعرف بـ النماذج التوليدية ((Generative Models القادرة على إنتاج صور تحاكي الواقع بدقة مذهلة. غير أن هذا التطور التكنولوجي، الذي يُنظر إليه على أنه ثورة رقمية، يحمل في طياته تحديات أمنية، قانونية، وأخلاقية، قد تهدد المجتمعات إذا لم يُحسن التعامل معها.

واحدة من أخطر تطبيقات توليد الصور هي ما يُعرف بـ التزييف العميق (Deep fake)، وهي تقنية قادرة على دمج أو تبديل ملامح الوجه بدقة متناهية عبر خوارزميات التعلّم العميق (Deep Learning) خطورة هذه التقنية لا تكمن فقط في قدرتها على خداع العين البشرية، بل أيضًا في زعزعة الثقة بالمصادر الإعلامية التقليدية، إذ يمكن استخدامها لفبركة صور وفيديوهات لأشخاص أو أحداث لم تقع أصلًا.

لا تقتصر التهديدات على البعد القانوني فقط، بل تمتد إلى الجانب الاجتماعي والنفسي. فقد تؤدي وفرة الصور المُصطنعة إلى الإغراق المعلوماتي (Information Overload)، بحيث يصبح من الصعب على الأفراد التمييز بين الحقيقي والمفبرك. هذا الانهيار في الثقة البصرية قد يولد بيئة خصبة لانتشار الشائعات، والتأثير على الرأي العام بشكل خطير.

في السياق المحلي، تُدرك وحده الجرائم الالكترونية التابعة لمديرية الامن العام خطورة هذه التقنيات في الفضاء الرقمي. إذ يمكن استغلال الصور المُولَّدة في جرائم إلكترونية مثل انتحال الهوية، التشهير، أو حتى التحريض على العنف. لذلك، تعمل الوحدة على رفع مستوى الأمن السيبراني وتعزيز برامج التوعية المجتمعية، لضمان عدم تحول الذكاء الاصطناعي إلى أداة تهديد للأمن الوطني.

كما أن التشريعات الأردنية المتعلقة بالجرائم الإلكترونية تسعى إلى تضييق المساحة أمام الاستخدام غير المشروع لهذه التقنيات، ما يضع المملكة في موقع استباقي لمواجهة هذا التحدي العالمي.

إن مستقبل توليد الصور عبر الذكاء الاصطناعي يبقى رهينًا بقدرتنا على تحقيق التوازن بين الاستفادة من الإبداع التقني وحماية المجتمع من مخاطره. فإذا كان الذكاء الاصطناعي يمنحنا أدوات غير مسبوقة للإنتاج البصري والإبداع الفني، فإنه في المقابل يفرض علينا بناء منظومة تشريعية، أخلاقية، وأمنية قادرة على ضبط هذا الفضاء المفتوح.

فالذكاء الاصطناعي ليس خطرًا بحد ذاته، وإنما تصبح خطورته جلية حينما يُترك دون وازع قانوني أو رادع مجتمعي.