مقالات

«كيبوردات الذكاء الاصطناعي» .. لا لون .. لا طعم .. لا رائحة

4-ايلول:

بقلم:احمد محمود العدوان

لا يختلف اثنان في العالم على أن اللمسة الإنسانية تعكس تصور لروح الإنسان ونقل للأحاسيس المتواجدة في دواخله وفي عقله خاصة عند الكتابة والتعبير فمهما تطور العلم والقطاع الرقمي والتكنولوجي فإنه لا غنى عن البصمة البشرية في عملية الكتابة والمهن الإبداعية النابعة من الوجدان ولو صنع ألف روبوت كاتب ومليون مولد للذكاء الاصطناعي.

لقد جَدَّ العلماء لسنوات وسنوات ليصلوا لهذه المرحلة وليكون الذكاء الاصطناعي عوناً للبشر في تحسين وتيسيير وتسهيل جميع مناحي حياتهم، وبالمقابل من الممكن أن يكون لهذا التطور وجهان متباينان لعملة واحدة.

مع التطور التكنولوجي والمعرفي في مسارات الذكاء الاصطناعي وتطور تقنيات الحوسبة الضخمة والتسارع في خوارزميات التعلم العميق بات يظهر لدينا أشبه ما يعرف بمصطلح “كيبوردات الذكاء الاصطناعي” وهو وصف يطلق على جحافل من مستخدمي الذكاء الاصطناعي في كتابة المقالات او غيرها من المواد دون الإشارة الى مصدر هذه الكتابة بأنها مولدة باستخدام هذه التقنيات ودون الأخذ بأخلاقيات الكتابة وأهمية ذكر المصدر.

لا يدري أغلب مستخدموا مولدات الذكاء الاصطناعي بأنه مهما تميز الروبوت على مدار السنين وتطور في تنفيذ أوامر الكتابة فان هذه المواد المستخلصة من رحم الذكاء الاصطناعي وخصوصاً في مجال الكتابة الإبداعية تبقى بلا لون .. بلا طعم .. وبلا رائحة حتى للمُخرَج الذي نتج عنها وتبقى خالية الدسم.

كما يقول المثل «ضحك ع اللحى والشوارب»، ان مساوئ الاعتماد الكلي على مولدات الذكاء الاصطناعي ومن المضحك المبكي في نفس الوقت أن الشخص الذي يستخدم هذه المولدات في عملية كتابة المقالات، لا يستذكر اي من التفاصيل الدقيقة لما كتب ولا يفهم سطراً واحداً مما كتب ويصاب القارئ لها في الجانب الاخر بالرتابة والملل وعدم القدرة والراحة على الإكمال بسبب الكآبة من القراءة والجمود والضجر.

في دراسة حديثة أجرتها “شركة مايكروسوفت”‏ بالتعاون مع “جامعة كارنيغي ميلون” على شريحة من المستخدمين وغير المستخدمين لمولدات الذكاء الاصطناعي وجد باحثون بأن استخدام الناس لروبوتات التوليدية والاعتماد المطلق عليها يؤدي إلى قتل وإبادة وتدمير كل مهارات التفكير الناقد والمهارات الإبداعية حيث ان الناتج عنه سواء للموظفين او الطلاب هو: زيادة القدرة على الاعتماد على هذه المولدات وعدم القدرة على حل المشكلات الصعبة وسوء اتخاذ للقرارات المصيرية وتشابه في نتائج العمل.

وفي الرديف الاخر شملت الدراسة على نتائج شريحة مختلفة للأشخاص الذين لا يثقون باستخدام الذكاء الاصطناعي في شتى الامور حيث تبين أن نتائجهم مختلفة ومتنوعة وقدراتهم على التفكير الإبداعي والنقدي في تزايد مستمر سواء في العمل او في الدراسة ولديهم مرونة أكبر في اتخاذ القرارات الحاسمة في حياتهم وعملهم لاسيما أنه كلما زاد استخدام الناس للآلات مثل “شات جي بي تي‏” في التفكير نيابة عنهم، زاد اعتمادهم على هذه الآلات وهذا الاعتماد يؤثر سلبا على عمليات الإدراك في الدماغ، كما أن استخدام الذكاء الاصطناعي للحصول على الإجابات بدلا من بذل جهد في التفكير والتجربة سيقلل من “الاحتياطي المعرفي” ويؤثر على الترابط بين خلايا الدماغ السليمة وبالتالي ينتج عنه دماغ أقل مرونة في حل المشكلات والتكيف مع التحديات.

يستطيع أن يشعر اي شخص متمرس في تقنيات الذكاء الاصطناعي وخبير في المحتوى المضلل والمفبرك ما اذا كان النص قد كتب باستخدام روبوت “الشات جي بي تي” وحتى ولو كانت العبارات منمقة وغير مكررة حيث أن هذه المولدات الآلية الاصطناعي تكثر من علامات الترقيم ومن الجمل غير المفهومة والتي ليس لها علاقة بالفكرة وفي بعض الأحيان من خلال سياق النص وطبيعة النص ومفردات النص والفكرة من النص وخلال ادوات عديدة منها المدفوعة ومنها المجانية المتواجدة عبر مواقع الشبكة العنكبوتية.

خطر حقيقي آتٍ في قدوم جيل كامل من المفرغين كالفقاعات لمستخدمين الشات جي بي تي ما لم يستخدموه بالطريقة الصحيحة والسليمة فقد جاء هذا العلم للتسهيل والتصحيح واختصار الوقت وليس الاعتماد الكلي عليه في المراحل المفصلية الدقيقة سواء في كتابة وإنشاء للمحتوى او حتى في الأبحاث العلمية والمنهجية.

يستخدم الأردنيون بالعادة عبارة «من شاربي» للدلالة والرهان على امر يكونون متأكدين من أن المراهنة عليه لن تجدي نفعاً وستتعرض للاخفاق الذريع ونستطيع اسقاط ذات العبارة على ذات السياق حين نقول ان استخدام الذكاء الاصطناعي لكتابة المحتوى الإبداعي والمقالات سيبوء دوماً بالفشل وينتج جسد بلا روح.

مما سبق نستنتج بأنه يجب الاشارة الى ضرورة الإسراع في تكثيف الجهود المشتركة من قِبل جميع مؤسسات الدولة للبدء في التدريب الصحيح على استخدام مولدات الذكاء الاصطناعي، وبأهمية عقد الورش التعليمية والدورات من قبل المختصين لفهم ابعاد خوارزميات المحركات الرقمية الروبوتية على المدى البعيد وكيفية هندسة وكتابة الأوامر لها، لنستطيع الاستفادة من هذا العلم في عملية البناء لا الهدم، فأردننا الغالي دائماً وابداً يستحق الأفضل.