أخبار المندوبين

التطرف الفكري على منصات السوشيال ميديا: كيف نحمي الأجيال؟

8-اب:

د. انس عضيبات

في ظل التحولات الرقمية المتسارعة التي تشهدها مجتمعاتنا، أصبحت منصات السوشيال ميديا من أبرز وسائل الاتصال الحديثة التي تربط الأفراد في جميع أنحاء العالم، ولكن مع هذه الفوائد الهائلة، تظهر أيضًا تحديات خطيرة، أبرزها انتشار الأفكار المتطرفة، وهذه الأفكار التي تجد طريقها بسهولة إلى أذهان الأجيال الشابة عبر هذه المنصات، أصبحت تمثل تهديدًا مباشرًا للنسيج الاجتماعي إذًا، كيف يمكننا حماية شبابنا من التأثيرات السلبية لهذه الظاهرة؟

تشهد منصات السوشيال ميديا انتشارًا سريعًا للمحتوى المتطرف بفضل الخوارزميات التي تعتمد على تفاعل المستخدمين، حيث يتم تعزيز المحتوى الذي يتلقى تفاعلات واسعة، ليصل إلى جمهور أكبر ولأن منصات مثل فيسبوك وتويتر وإنستغرام تستقطب ملايين المستخدمين يوميًا، فإنها تتحول إلى ساحة خصبة للأفكار المتطرفة، التي قد تجد بعض التأييد بين الأفراد الذين ليس لديهم القدرة على التمييز بين الحقيقة والمعلومات المضللة.

كما تُسهم منصات السوشيال ميديا في خلق بيئات مغلقة للأفراد، حيث يحيط بهم محتوى يوافق أفكارهم ومعتقداتهم، وهذه العزلة الفكرية التي تنشأ عن الانعزال عن آراء أخرى تساهم في تعميق التطرف الفكري، كما تصبح هذه البيئات الرقمية مكانًا يزداد فيه التحريض على التشدد، حيث يصعب على الأفراد الخروج من هذه الدوائر الضيقة التي تروج للأفكار المتطرفة، ما يزيد من تطرف آرائهم.

يحتل المؤثرون على السوشيال ميديا مكانة محورية في حياة الكثير من الشباب، حيث يصبحون قدوة يتبعها الأفراد ويستمعون إلى آرائهم، وبعض هؤلاء المؤثرين لا يترددون في استخدام منصاتهم لنشر أفكار متطرفة أو مثيرة للجدل، ما يؤدي إلى تأثير سلبي على متابعيهم، وهؤلاء المؤثرون قد يساهمون، بشكل مباشر أو غير مباشر، في توجيه الأجيال الجديدة نحو تصورات ضارة قد تؤثر على السلم الاجتماعي.

تبقى الأسرة هي العنصر الأهم في توجيه الأجيال الشابة، إذ هي القادرة على زرع القيم الأخلاقية والإيمانية التي تحصن الأفراد ضد الأفكار المتطرفة، ومن خلال مراقبة الأنشطة الرقمية للأبناء وتعزيز الحوار المفتوح معهم، يمكن للأسرة أن تشارك في توجيههم نحو فهم أعمق للقيم الإنسانية، وتوعيتهم بمخاطر التطرف الفكري، فالتواصل المستمر هو مفتاح بناء علاقة من الثقة والوعي التي تقي الأبناء من تأثيرات السوشيال ميديا.

يلعب النظام التعليمي دورًا محوريًا في مواجهة ظاهرة التطرف الفكري، حيث يجب أن يتوجه التعليم نحو تزويد الأجيال الشابة بمهارات التفكير النقدي والتحليل المنطقي، فالقدرة على التمييز بين المعلومات الموثوقة والمضللة تعتبر سلاحًا قويًا في مكافحة الفكر المتطرف كذلك، ينبغي تضمين مناهج تعليمية تركز على تعزيز التسامح وقبول الآخر، بالإضافة إلى تدريب الطلاب على كيفية التعامل مع منصات السوشيال ميديا بشكل آمن ومسؤول.

إن التصدي لانتشار الأفكار المتطرفة يتطلب تدخلًا حكوميًا فعالًا من خلال التشريعات الرقمية، حيث يجب أن تعمل الحكومات بالتعاون مع شركات التكنولوجيا لوضع قوانين صارمة تهدف إلى ضبط المحتوى الرقمي وحجبه عندما يتعارض مع القيم الإنسانية. ولكن، يجب أن يتم ذلك مع الحفاظ على حرية التعبير والتوازن بين الرقابة والحفاظ على حقوق الأفراد في إبداء آرائهم بحرية.

إن حماية الأجيال الشابة من تأثيرات التطرف الفكري على منصات السوشيال ميديا هي مسؤولية جماعية تتطلب تعاونًا بين الأسرة، المجتمع، المؤسسات التعليمية، والحكومات فلا بد من أن نتكاتف جميعًا، على مستوى الأفراد والمؤسسات، من أجل بناء جيل قادر على التفكير النقدي، وقبول الآخر، وتوجيه الفكر نحو الرفاهية الاجتماعية، وهذا التعاون هو السبيل الوحيد لضمان مستقبل آمن وصحي للأجيال القادمة بعيدًا عن شباك التطرف الفكري الذي يتربص بهم في العالم الرقمي.