
4-آب
محمد هاني المعايطة
ظاهرة إطلاق العيارات النارية في الأفراح والمناسبات الاجتماعية، ما تزال تحدياً أمنيّاً واجتماعياً يهدد سلامة الأرواح، رغم كل الجهود المبذولة لمكافحتها والتوعية بخطورتها. هذه العادة التي تتوارثها بعض المجتمعات تحت عنوان “التقاليد” أو “الفخر”، ما هي إلا استهتار بحياة الإنسان وتدمير لفرحة يفترض أن تكون مناسبة تجمع المحبة والسرور.
إن الرصاصة الطائشة التي تخرج من السلاح في لحظة فرح قد تكون سببا في النهاية لفقدان عزيز، طفل بريء، أو حتى شخص لا حول له ولا قوة. ومن هنا، فإن هذه الظاهرة لا تخص فقط الجاني أو المتسبب، بل هي قضية وطنية تقع على عاتق كل فرد في المجتمع.
التوجيهات الملكية الحازمة بان حماية الأرواح فوق كل اعتبار وفي أكثر من مناسبة، أكد جلالة الملك عبدالله الثاني بن الحسين حفظه الله على موقفه الصارم من هذه الظاهرة التي تهدد أرواح الأردنيين. هذه الكلمات التي تنطلق من أعلى سلطة في البلاد ترسخ مبدأ أن الأرواح ليست لعبة، وأن الأمن والكرامة حق لكل مواطن لا يمكن التفريط فيه، مهما كانت الأسباب
مديرية الأمن العام تؤدي دوراً محورياً في مواجهة ظاهرة إطلاق العيارات النارية، لا يقتصر على الجانب الأمني فقط ، بل يتعداه ليشمل جهوداً توعوية ومجتمعية متكاملة ، ففي الميدان تكثف الأجهزة الأمنية من حملاتها لضبط المخالفين، وإحالتهم للعدالة دون تمييز، مع تطبيق القانون بحزم وصلابة.
أما على صعيد التوعية، فقد أطلقت المديرية مبادرة “لا تقتلني بفرحك”، التي تشكل خطوة نوعية في ترسيخ ثقافة الرفض لهذه الظاهرة ، هذه المبادرة التي جاءت كصرخة مدوية ضد سلوك الاستهتار، تؤكد أن الفرح الحقيقي لا يستوجب المساس بحياة الأبرياء ، وأن المجتمع بأكمله مطالب بمسؤولية التغيير.
لا يمكن لأي جهة أمنية أن تواجه هذه الظاهرة دون دعم مجتمعي وإعلامي فعال. هنا يأتي دور مديرية الإعلام والشرطة المجتمعية في نشر الرسائل التوعوية التي تستهدف كافة فئات المجتمع، من خلال حملات مكثفة عبر وسائل الإعلام المختلفة ووسائل التواصل الاجتماعي. هذه الحملات لا تكتفي بعرض المآسي الناتجة عن إطلاق العيارات النارية، بل تسعى إلى بناء وعي حقيقي يغير النظرة التقليدية، ويزرع في النفوس ثقافة السلامة والاحترام المتبادل، ويشجع على الإبلاغ عن المخالفين ، ورفض المشاركة في المناسبات التي تتضمن إطلاق العيارات النارية .
لا يكمن الحل الكامل في إجراءات الأجهزة الأمنية وحملات التوعية فقط ؛ بل يجب أن يكون المجتمع شريكاً فاعلاً في هذا التحدي. تقع على عاتق العائلات والأفراد و وجهاء العشائر، ومسؤولي المؤسسات الاجتماعية، مسؤولية كبيرة في نبذ هذه العادة والرفض الواضح لأي شكل من أشكال إطلاق العيارات النارية.
إن المواقف الاجتماعية الحازمة تجاه هذه الممارسات، والضغوط المجتمعية على مرتكبيها، إلى جانب التشديد على احترام القانون وحماية الحياة، تشكل عناصر أساسية في القضاء على هذه الظاهرة. الصمت أو التهاون يعتبر مساهمة غير مباشرة في استمرارها، والعكس تماماً، المشاركة الفاعلة هي الضمان الحقيقي لأمن المجتمع.
لنعيد للفرح معناه الحقيقي…….. إن إطلاق العيارات النارية في الأفراح والمناسبات ليس مجرد عادة تقليدية، بل هو جريمة تهدد أمن المجتمع وسلامة أبنائه. جهود مديرية الأمن العام ومبادرتها المجتمعية، إلى جانب دور الإعلام والشرطة المجتمعية، ما هي إلا أدوات في يد مجتمع واعٍ ومسؤول يسعى إلى حفظ الأرواح وإعادة رسم صورة الفرح الحقيقي، الذي لا يلطّخ دماء بريئة، ويبقى واجب الجميع أن يتحمل مسؤولياته، ليكون الفرح مناسبات تجمعنا بأمان وسلام، بعيداً عن رصاص الجهل والاستهتار.
