مقالات

دور الإعلام الأمني في تطوّر الإعلام الحديث

 

عمان ــ   27-تموز /   محمد هاني المعايطة 

في عصرٍ باتت فيه الكلمة أخطر من الرصاصة، والمعلومة أعتى من السلاح، ظهر الإعلام الأمني كقوة ناعمة قادرة على هندسة الرأي العام، وحراسة الوعي الجمعي من زيف الشائعات وحروب التضليل, لم يعد الإعلام الأمني مجرّد قناة لنقل الخبر الأمني، بل أصبح صانعًا للرواية الوطنية، ومهندسًا للخطاب الجمعي في مواجهة التحديات الداخلية والخارجية.

فمنذ أن اجتاحت الثورة الرقمية عالم الاتصال، أضحى الفضاء الإلكتروني ساحة مفتوحة تعجّ بالمعلومات المضلّلة، والأجندات المعادية، التي تستهدف أمن الأوطان واستقرار المجتمعات, ولأنّ الأمن لم يعد محصورًا بالحدود الجغرافية، كان لزامًا أن يتطوّر الإعلام الأمني ليواكب طبيعة التهديدات الجديدة، متسلّحًا بأدوات التكنولوجيا، ومنهجيّات الاتصال الاستراتيجي.

الإعلام الأمني الحديث ليس مرآة تعكس الحدث، بل هو عقلٌ مُدبّر يرسم ملامح السردية الوطنية، ويضبط إيقاع الخطاب الإعلامي، في معادلة دقيقة بين حقّ الجمهور في المعرفة، وواجب الدولة في حماية أمنها القومي, إنه فنّ إدارة المعلومة بمسؤولية، حيث يُصبح لكل كلمة وزنها، ولكل معلومة توقيتها، وللغة تأثيرها العميق في النفوس والعقول.

لقد تحوّل الإعلام الأمني إلى منظومة ديناميكية تتقن لغة الأرقام والصورة والصوت، وتُدرك أن الوصول إلى عقل المواطن يتطلّب خطابًا إنسانيًا رشيدًا، يوازن بين الشفافية والانضباط، وبين المهنية والبُعد الاستراتيجي, فالإعلام الأمني اليوم، لا يقتصر على إصدار البيانات الجافة، بل يبني حملات توعوية تفاعلية، تُخاطب العقول والوجدان معًا، وتُحصّن المجتمع من الفكر المتطرف، وتُفكّك خطاب الكراهية، وتُعالج الأزمات بمهنية وحنكة

في هذا السياق، تبرز مديرية الأمن العام الأردنية كأنموذج رائد في إعادة صياغة مفهوم الإعلام الأمني، من خلال ذراعها الإعلامي المتقدّم: مديرية الإعلام والشرطة المجتمعية، التي باتت تشكّل حجر الأساس في معادلة الأمن الاتصالي الوطني.

لقد أدرك الامن العام  أنّ معركة المعلومة لا تقل خطورة عن معركة الميدان، فبادرت إلى بناء منظومة إعلامية أمنية حديثة، تقوم على سرعة الاستجابة، ودقّة المعلومة، واحترافية الصياغة. فجاءت رسائلها الإعلامية متّزنة في خطابها، قوية في مضمونها، إنسانية في لغتها، قادرة على اختراق الضجيج الرقمي، والوصول إلى وجدان المواطن بثقة وطمأنينة.

كما عزّز الامن العام  من حضورها الرقمي، مُفعّلةً منصات التواصل الاجتماعي كأداة استراتيجية للتفاعل المباشر مع الجمهور، ومعتمدةً على الكفاءات الإعلامية المدربة، التي تتقن فنون الإعلام الرقمي، وتعي خصوصية الرسالة الأمنية , وأدارت مديرية الإعلام والشرطة المجتمعية الأزمات الكبرى بكافة اشكالها  بحرفية عاليا شهد لها الجميع، فكانت الرواية الأمنية حاضرة بقوة، تجهض الشائعات قبل أن تنتشر، وتُعيد تشكيل وعي المواطن في لحظة الأزمة، بحنكة مهنية عالية و  جعلته شريكًا في هندسة الثقة بين رجل الأمن والمجتمع، مستندة إلى فلسفة “الأمن الشامل”، الذي يُدرك أن تحصين العقول لا يقل أهمية عن حماية الحدود.

ونستنتج إنّ الإعلام الأمني في عصرنا الحاضر لم يعد مجرد وظيفة اتصالية، بل أصبح ركيزة استراتيجية في معادلة الأمن الوطني، وقوة ناعمة تُسهم في تطوّر الإعلام الحديث. وتجربة مديرية الأمن العام الاردنية في هذا المضمار تمثل أنموذجًا يُحتذى به، في كيفية صناعة خطاب أمني متزن، يواكب تحديات العصر، ويحمي الوطن بسلاح الكلمة الواعية والمعلومة الدقيقة.