
بقلم: خبير المناهج واستراتيجيات التدريس/ الدكتور انس عضيبات
6-تموز
في عالم يتسم بالسرعة والتطور، أصبح تحقيق التوازن بين العمل والحياة الأسرية من أبرز التحديات التي يواجهها الكثيرون، ومع تزايد الضغوط المهنية وتدخل التكنولوجيا في حياتنا الشخصية، بات من الصعب فصل الوقت المخصص للعمل عن الوقت المخصص للأسرة، ومع ذلك، فإن الوصول إلى هذا التوازن المثالي يعد أمرًا ممكنًا إذا تم اتباع استراتيجيات مدروسة ومنظمة. في هذا المقال، نستعرض أبرز الطرق التي يمكن أن تساعد الأفراد في تحقيق التناغم بين هذين الجانبين المهمين في حياتهم.
ومن أجل تحقيق التوازن بين العمل والحياة الأسرية، يجب على الشخص أن يحدد أولوياته بوضوح، حيث يجب عليه معرفة ما هو الأهم في كل مرحلة من حياته اليومية، سواء كان العمل أو الأسرة، يمكن تقسيم الوقت بشكل فعال، وإذا تم تحديد الأهداف الرئيسية وتوزيع الوقت على أساسها، فإن الفرد سيشعر بالتحكم في حياته، مما يتيح له منح كل جانب من جوانب حياته الاهتمام الذي يستحقه، وبذلك، يضمن الشخص التركيز على ما هو مهم في كل وقت.
تُعد إدارة الوقت من الركائز الأساسية لتحقيق التوازن الفعّال بين العمل والحياة الأسرية، ومن خلال تخصيص وقت محدد للعمل وآخر للأسرة باستخدام أدوات مثل الجداول الزمنية وتطبيقات تنظيم المهام، يمكن للأفراد ضمان توزيع مسؤولياتهم بشكل متوازن، كما يساهم تنظيم الوقت بذكاء في تقليل مشاعر التشتت والضغط الناتج عن تداخل المهام، مما يؤدي إلى زيادة الإنتاجية في العمل، وفي الوقت نفسه، يعزز الحفاظ على علاقات صحية ومثمرة مع الأسرة.
وعلى الرغم من أن التكنولوجيا قد تُسهم في تداخل العمل مع الحياة الأسرية، فإن استخدامها بطرق مدروسة يمكن أن يعزز بشكل كبير التوازن بين الجانبين، كما تتيح الأدوات التكنولوجية مثل تطبيقات إدارة المهام وبرامج الاجتماعات عبر الإنترنت للأفراد تنظيم حياتهم اليومية بفعالية أكبر، ومن خلال الاستفادة من هذه التقنيات، يصبح بإمكان الشخص تخصيص وقت أكبر للتواصل مع أسرته أثناء العمل، مما يساهم في تحسين جودة حياته المهنية والشخصية بشكل متوازٍ.
ولتجنب تداخل العمل مع الحياة الأسرية، من الضروري وضع حدود واضحة تفصل بينهما، كما ينبغي للفرد تحديد أوقات مخصصة للعمل وأخرى للأسرة، مع تجنب الاستمرار في العمل بعد ساعات الدوام الرسمية أو أثناء التفاعل مع أفراد الأسرة، حيث إن الالتزام بهذه الحدود يساهم في تقليص الضغط الناتج عن الانشغال المستمر بالمهام المهنية، ويتيح المجال للتركيز التام على الأسرة خلال الأوقات المخصصة لها.
كما يُعد التواصل الفعّال مع أفراد الأسرة من الركائز الأساسية لتحقيق التوازن بين العمل والحياة الأسرية، حيث إنه من الضروري أن يكون الفرد قادرًا على التعبير عن احتياجاته وأولوياته بوضوح، وفي الوقت نفسه أن يستمع بعناية لمتطلبات أفراد أسرته، فعندما يكون التواصل مفتوحًا وصريحًا، يسهل على الجميع فهم الضغوط التي يواجهها الآخرون وتقديم الدعم المتبادل، مما يساهم في تحقيق التناغم بين المسؤوليات المهنية والعائلية.
كما لا ينبغي أن تقتصر الأوقات المخصصة على العمل أو الأسرة فقط، بل من الضروري تخصيص وقت للراحة الذاتية، ويمكن أن يُخصص هذا الوقت للأنشطة الشخصية مثل القراءة، ممارسة الرياضة، أو ببساطة الاستمتاع بالهدوء، حيث إن الراحة الجسدية والنفسية تشكل عنصرًا أساسيًا لإعادة شحن الطاقة، مما يعزز القدرة على إدارة المسؤوليات المهنية والعائلية بكفاءة أكبر، كما إن الاهتمام بالنفس لا يقل أهمية عن العناية بالآخرين، بل يعد جزءًا أساسيًا من الحفاظ على التوازن الشامل في الحياة.
قد يواجه البعض صعوبة في رفض المهام أو الطلبات، سواء كانت مهنية أو عائلية، إلا أن تعلم كيفية قول “لا” يعد أمرًا بالغ الأهمية للحفاظ على التوازن بين العمل والحياة الأسرية، وعندما يدرك الشخص أنه لا يمكنه تلبية جميع الطلبات في الوقت ذاته، يصبح قادرًا على تحديد الأولويات واختيار الأكثر أهمية ومن خلال هذه القدرة على الاختيار، يمكنه تخصيص طاقته ووقته للأمور التي تعود عليه بأكبر منفعة، دون التأثير سلبًا على حياته الأسرية أو المهنية.
إن التوازن بين العمل والحياة الأسرية ليس غاية ثابتة، بل هو عملية مستمرة تتطلب التكيف مع التغيرات والظروف المتغيرة، كما يتطلب هذا التوازن تخطيطًا دقيقًا وإدارة فعّالة للوقت، إلى جانب وضع حدود واضحة والابتعاد عن مصادر التشتت، ومن خلال تبني هذه الاستراتيجيات، يمكن للفرد تحسين جودة حياته على جميع الأصعدة، وتحقيق النجاح في عمله وفي علاقاته الأسرية على حد سواء.
