مقالات منوعات

بين مطرقة الإشاعة وسنديان الحقيقة

6-تموز

بقلم: احمد محمود العدوان / إذاعة الأمن العام

تعتبر الإشاعات من أهم القضايا الجدلية التي تؤرق المجتمع ككل، فهي واحدة من القضايا الاجتماعية القديمة الجديدة التي وجدت منذ الأزل وما زالت قائمة في عصرنا الحالي، بل إنها في ازدياد مستمر وسريع لا يشق له غبار، ففي ظل التسارع المستمر للتكنولوجيا الرقمية الحديثة والفوضى المعلوماتية، يبرز التساؤل الأهم: كيف نحمي أنفسنا من مطرقة الإشاعة ونستند إلى سنديان الحقيقة؟

بين ضياع البوصلة وامتلاك الخريطة تنجم الكثير من التصريحات التي يشوبها الخطأ وتسودها المعلومات المبتورة خصوصاً في أوقات الحروب والنزاعات، فتبرز الأولوية في الوقوف أمام كل ما يتعلق بالتضليل والفبركة والتزييف العميق للخبر او المعلومة لا سيما في الفترات الحالية التي تشهد بداية لتطور الذكاء الاصطناعي وأدواته فيصير لزاماً على حراس البوابة و الجمهور التأكد من أن عناصر المواد مرئية  (صور – فيديوهات ـ تسجيلات صوتية) حديثة وغير مضللة او مُخَلّقة بتقنيات الذكاء الاصطناعي من خلال تحليل عناصرها  فيما يتعلق بتفاصيل الظلال وزاوية التصوير ومكانه وتاريخه والوقت وطبيعة الوجوه فيها، بالإضافة الى التحقق البصري فتكمن الضرورة في تقديم معيار الدقة على السرعة والسبق.

 

 تاريخ الإشاعة وخصائصها

دائمًا ما للإشاعة مظهر غير رث، وبالرجوع إلى تاريخها، يتبين أن لها صفات عديدة، حيث تظل هذه الصفات قائمة رغم تطور الوسائل والأدوات المستخدمة في نشرها؛ فالإشاعات سريعة وسهلة الانتقال بين أفراد المجتمع وغامضة وزائفة، حيث تؤدي إلى إرباك الجمهور في كثير من الأحيان، سواء كانت هذه الإرباكات بقصد أو بغير قصد.

في سياق متصل، نجد أن حراس الكلمة والبوابة، أو ما يُعرف بالجيش الثاني من الإعلاميين والصحفيين، يلعبون دورًا حاسمًا في مواجهة هذه الظاهرة فعليهم أن يكونوا على أهبة الاستعداد للتصدي لكل ما هو زائف وضار، من خلال تقديم محتوى دقيق وموثوق، ودحض ما هو سام وغير حقيقي، وعدم التهافت على النشر دون التحقق من صحة الخبر ودقته.

 نظرية السيرك والإشاعة

عند زيارة السيرك، نرى أن كل ما تم تدريبه من مخلوقات يقوم بدوره على أكمل وجه لإنجاح وإمتاع الجمهور في العروض المقدمة بسبب التدريبات المكثفة والصحيحة، وكذلك الأمر بالنسبة للكيفية للتغلب على الإشاعات؛ فالأمر يتطلب تبني استراتيجيات فعالة، حيث إن استخدام أدوات تفاعلية لجذب انتباه الجمهور وتوجيهه نحو المعلومات الصحيحة يكون لبنة أساسية للحقيقة، إضافةً إلى مراقبة ما يُنشر والتحقق منه بشكل دقيق ومن مصادره الرسمية، لنضمن أن الحقيقة لا تُغمر تحت ركام الأكاذيب.

 الذكاء الاصطناعي والإشاعة

مع التقدم التكنولوجي، يبرز دور الذكاء الاصطناعي في إنتاج المحتوى المرئي والمسموع وهنا المقتل في أن يتم استخدامه بشكل سلبي وخاطئ فكم شاهدنا خلال الفترة السابقة العديد من الإعلاميين والصحفيين والشخصيات العامة الذين تم استخدام صورهم وأصواتهم للترويج لمحتوى مرئي يظهرون فيه دون موافقتهم؟

 الدلالات والأرقام

بالرجوع إلى المجريات ولغة الأرقام خلال العام الماضي 2024، وثّق مرصد مصداقية الإعلام الأردني (أكيد) ما مجموعه 891 إشاعة أطلِقت محليًا وخارجيًا على صلة بالشأن الأردني والمصالح الأردنية، وهو ما يعادل 74 إشاعة شهريًا منها إشاعات محلية كليًا، غير المتأثرة بالأحداث الإقليمية، بلغت 435 إشاعة تناولت القضايا المجتمعية بكافة مجالاتها الاقتصادية والسياسية وغيرها وهو نتيجة للاستخدام الخاطئ لإعادة النشر وعدم التحقق من مصدر المعلومات، إضافةً إلى المشاركات الخاطئة دون وعي للمحتوى عبر منصات التواصل الاجتماعي.

بين الفكرة والفكر، تأتي الأهمية في تعزيز القيم الأساسية للمهنة أثناء إعادة النشر، مثل الدقة، الحياد، الشفافية، عدم التسرع، وعدم إساءة استخدام البيانات بدون إذن مسبق، الأمر يتطلب توجيهًا واضحًا وإشرافًا مستمرًا ذاتيًا وتحكيماً للعقل؛ لضمان عدم نشر معلومات مضللة وزائفة والتحقق منها من قبل حارس البوابة والجمهور.

بين مطرقة الإشاعة وسنديان الحقيقة، نجد أنفسنا أمام تحدٍ كبير يتطلب منا الوعي واليقظة في زمن تتقاذف فيه الاشاعات كالذخائر الحية، إذ يجب علينا أن ندرك أهمية تدقيق المعلومات والبيانات التي نتلقاها وأن نكون دقيقين في تقييم مصادرها، فالحقيقة ليست مجرد هدف نسعى للوصول إليه، بل هي أداة للبناء وسلاح في مواجهة الفوضى المعلوماتية .