الاثنين: 28/11/2022 – “تعددت أشكال العنف والضرر ذاته”، الإساءة الجسدية أو اللفظية لم تعد من أشكال الضرر الوحيدة على الأطفال، بل ومع سهولة الوصول لمواقع التواصل الاجتماعي، بات “التنمر الإلكتروني” أحد تلك الوجوه التي غفل عنها الأهل، وتنبهت لها الجهات المعنية بشؤون الطفل.
ومع تفاعل العالم، منذ أيام، باليوم العالمي للطفل الذي صادف العشرين من الشهر الحالي، والحديث عن الكثير من الحقوق التي باتت “منقوصة” في حق نسبة كبيرة من الأطفال في العالم، خرجت دراسات متعددة تتحدث عن وجود أشكال جديدة للعنف، والتنمر الذي يعد من الأشكال المحدثة، التي ظهرت بالانتشار الواسع لمواقع التواصل الاجتماعي.
ومؤخراً، بينت الدراسة الوطنية حول العنف ضد الأطفال في الأردن وأشكال التنمر والعنف الإلكتروني، أن نسبة الأطفال الذين يواجهون هذا النوع من العنف، بلغت 13.2 %، ولو بشكل واحد على الأقل من أنواع العنف.
آثار نفسية، تربوية، اجتماعية، وأسرية، قد يجد الطفل نفسه بمواجهتها، ومنهم من لا يجد من يقدم له يد العون للتخلص من تبعات هذا العنف، بل وآخرون يعيشون في كنف عائلاتهم، ولكنهم يعتزلون العالم، وقد يظهر هذا الألم من خلال ردود أفعال يلمسها المجتمع على الطفل، قد تكون سبباً في حدوث تبعات خطيرة جداً عليه وعلى المجتمع.
الخبير في مواجهة العنف ضد الأطفال ومستشار الطب الشرعي الدكتور هاني جهشان، قال في حديثه لـ”الغد”، إن التنمر هو سلوك عدائي متكرر من قبل معتد أو أكثر على الطفل الضحية بوجود تفاوت حقيقي أو منظور بالقوة بينهما وبشعور الضحية بالعجز والضعف بالدفاع عن نفسه وبسيطرة المعتدي عليه، وهناك تقاطع كبير بين التنمر الذي يحدث مباشرة ضد الطفل بالمدرسة، والتنمر الذي يتم من خلال الانترنت، فكلاهما يشمل العنف اللفظي، الاستهزاء، التوبيخ، السخرية، التحقير، نشر الإشاعات، والنبذ من مجموعات الأصدقاء.
ويؤكد جهشان أن التنمر الالكتروني يجب ألا يتم التسامح إزاءه، والحقيقة المؤلمة لكثير من الأطفال، هي أن الأجهزة الرقمية والانترنت أصبحت بيئة خصبة لتعرضهم لهذا الشكل من العنف، مما يحرمهم من حياة طبيعية تضمن الحفاظ على كرامتهم وحقوقهم، خاصة أن هذا العنف والتنمر قد يأتيهم من خلال “صفحات التواصل الاجتماعي، والرسائل النصية القصيرة، والألعاب الجماعية أو البريد الإلكتروني”.
الخطورة في العنف والتنمر الإلكتروني، كما يراها جهشان، أن مرتكب التنمر الإلكتروني قد يكون مجهول الهوية للضحية وقد يفصح عنها لاحقا، ولا يتطلب حدوث هذا الشكل من التنمر وجود مرتكبه في مكان وجود الضحية نفسه، إضافة إلى أن المعلومات المتعلقة بالتنمر عليه تنشر رقميا، ويمكن النفاذ إليها في أغلب الأحيان من قبل العموم، ومن المستحيل السيطرة عليها مستقبلا عقب نشرها على الانترنت.
كل ذلك، يجعل الطفل المتعرض للعنف والتنمر الإلكتروني يشعر بالخوف الدائم والانكسار مع آثار نفسية بعيدة المدى لديه، مع “تكرار ضرر التنمر”.
الكثير من التقارير الإخبارية تناولت التنمر الإلكتروني، ولكن الزيادة المطردة في النسبة باتت تشكل “ناقوس خطر” على حياة الأطفال، في ظل صعوبة كبيرة جداً لهم ولعائلاتهم للانسحاب من العالم الافتراضي. لذلك، يؤكد المدرب والخبير التربوي الدكتور عايش النوايسة، أن من الأهمية بمكان معرفة التنمر الإلكتروني الذي يقع عبر التقنيات والوسائل الحديثة.
ويؤكد النوايسة أن التنمر الإلكتروني الذي بتنا نتحدث عنه بشكل متكرر له العديد من أشكال الإيذاء والعنف اللفظي والإساءة والسخرية، أو من خلال “تهكير الحسابات والتهديد”، أو نشر رسائل متناقضة تتعلق بالمجتمع، ومنها الاستهزاء بشخص وميوله وأفكاره، شكله، عرقه، وغيرها من أشكال التنمر.
اليوم، يشير النوايسة إلى أن أشكال التنمر والعنف اختلفت بوجود العالم الافتراضي، ونراها في جوانب متعددة في مجتمعنا، ويُمارس بها فرض الآراء بشكل خاطئ، كما في نقل ثقافة الآخر ومحاولة فرضها وهيمنتها وبالذات على الأطفال، وبالتالي تتسع مساحتها، “للأسف قد لا نملك الأدوات والوسائل لنحمي الأطفال والشباب بشكل مناسب”.
“التنمر الإلكتروني” على الأطفال، يعتقد النوايسة أنه بات “مرضاً معدياً”، وبشكل واسع الانتشار، خاصة مع تبادل مقاطع الفيديو والصور من دون “وجود حائط صد لوقفها”، تلك المقاطع التي تتعلق بالسخرية بين الأطفال أو الشعوب والثقافات في المجتمع.
ويشدد النوايسة على ضرورة أن يكون هنالك تركيز على إيجاد الضوابط التربوية والتشريعية والقانونية لحماية الأطفال، وهذا قد يكون من خلال نشر ثقافة “التربية الإعلامية” في المناهج الدراسية منذ الصفوف الأولى، وطرح طريقة التعامل واستخدام هذه التقنيات والثورة الإلكترونية، حتى لا تنعكس سلباً على سلوك الطفل والعلاقات مع باقي الأسرة.
هذا التنمر الذي يحدث في الخفاء أو العلن، له الكثير من العواقب، التي يذكرها جهشان بأن أبرزها “جعل الضحايا عرضة لخطر التوتر والقلق والخوف والاكتئاب والارتباك والغضب وانعدام الشعور بالأمن وانخفاض الثقة بالنفس والشعور بالعار والاضطرابات التي قد تصل لحد الانتحار”. وعلى الأهل أن يعوا جيدا خطورة هذه العواقب، كما يقول جهشان، وذلك من خلال ملاحظة المؤشرات الواضحة على الطفل المتنمر عليه، كما في شعوره بحالة انزعاج وتوتر وكرب أثناء أو بعد استخدام الانترنت، والتصرف بسرية وحماية مبالغ بها أثناء استخدامه هاتفه مثلاً، والانسحاب من الحياة الاجتماعية بشكل عام، وحدوث نوبات غضب أثناء وجوده بالمنزل أو المدرسة، ووجود اضطرابات المزاج والطعام والنوم، وتجنب الكلام حول الأجهزة الرقمية أو الهاتف المحمول.
ومن أهم تلك مظاهر التنمر الإلكتروني، وفق حديث جهشان، “التحرش الكلامي في غرف الدردشة المفتوحة، ونشر معلومات عن الطفل بواسطة رسائل الكترونية أو صور أو مقاطع فيديو، واستهداف الطفل واستغلاله جنسيا من خلال تلك الوسائل، وانتحال هوية الطفل واسمه من قبل المسيء ومن ثم التواصل بطريقة قاسية سلبية تشوه الصورة الاجتماعية للطفل ولسمعته، إضافة إلى نبذ الطفل في مجموعات الدردشة أو على صفحات التواصل، وإرسال رسائل التهديد والإذلال بشكل متكرر من قبل شخص مجهول الهوية، أو من خلال تصويره المتنمر والتحرش به ونشر صوره على الإنترنت”.
وللحد من هذا التنمر الخطير، يشدد جهشان على أهمية أن تتحمل الجهات المختصة مسؤوليتها تجاه الطفل، وإعطاء الأولوية في الاستراتيجيات الوطنية لمواجهة التنمر والعنف لوزارة التربية والتعليم في مدارس القطاعين العام والخاص، وتفعيل المبادرات لمواجهة العنف والتنمر بشكل خاص؛ إذ إن التنمر الالكتروني عابر للحدود الجغرافية، وآليات الوقاية والاستجابة بين الدول الإقليمية والعالمية ما تزال بدائية وتحتاج لأن تعطى أولوية حقيقية.
كما يجب تفعيل المسؤولية الاجتماعية للشركات العالمية وشركات الاتصالات المحلية، التي ما تزال بحالة فوضى وغائبة عمليا، ويتوجب أن تشارك بالوقاية والاستجابة إن كان علميا أو ماليا بالبرامج الوطنية، وأن يتم من خلال إقرار تشريعات لشركات الاتصال الوطنية تلزمها بالمشاركة المالية لبرامج الوقاية والاستجابة في الدول الأكثر عرضة للعنف والتنمر الالكتروني.
جميع تلك المسببات والآثار والتبعات، تصب في إحداث تغيير نفسي يتطور حتى يصل إلى أخطر مراحله، وخاصة لدى الأطفال، لذا، ترى اختصاصية علم النفس الإكلينيكي الدكتورة فداء أبو الخير، أن التنمر الالكتروني، بمختلف أشكاله آنفة الذكر، ينبغي الوقوف على أسبابه ومعالجتها، لافتة الى أن شبكات التواصل جعلت المواجهات ليست وجهاً لوجه، وهذا يدفع إلى التجرؤ على الآخرين.
كما ترى أبو الخير، أن آثار التنمر قد تكون مماثلة، سواء التنمر المباشر أو الإلكتروني، بيد أنها “إلكترونياً قد تكون شخصا مجهولا” وزيادة حجم التنمر، الذي قد يصل إلى حد اغتيال الشخصية، من خلال الحملات الممنهجة، عدا عن أن تعدد المصادر للتنمر يسهم في مضاعفة حجم الغضب، وقد ينعكس ذلك على الحياة الواقعية، وقد يصبح الشخص أكثر عنفا على من حوله. كما أنه قد يكون الشخص “مستنفرا” للدفاع عن نفسه، وتعتقد أبو الخير، أن الحد من ذلك قد يكون من خلال “اللجوء للجهات المختصة كما في الجرائم الإلكترونية” التي قد تساعد على الحد من التهديد الفعلي على الطفل، وملاحقة الأشخاص المسيئين، وتعزيز الثقة لدى الفرد، وتقديم الرعاية النفسية سواء للمتنمر أو المُتنمر عليه، كون المتنمر هو فاقد لجزء مهم في تكوين حياته، وتعليم الأطفال على فنون الرد الإيجابي وتجاهل التنمر. (الغد)